الأحد، 6 أبريل 2008

العلم أو الراية،مقاربة تاريخية و لغوية


الراية أو العلم يعتبر من أهم العلامات أو الشارات المعبرة عن الحكم أو السلطة في مختلف الأمم و الشعوب، عبر الزمان و المكان، إلى يوم الناس هذا.
و الجزائر كغيرها من الأمم عرفت الراية، في مختلف الفترات التي مرت بها،إلى أن تطورت مع الحركة الجهادية المقاومة للاستعمار الفرنسي ،ثم مع الحركة الوطنية المعبرة عن فلسفة الثورة و الاستقلال،إلى أن صار في شكله النهائي المعروف اليوم.
يقول ابن خلدون: أن الرايات كانت شعار الحروب من عهد الخليقة و لم تزل الأمم تعقدها.. منذ أقدم العصور و حتى عصر النبي صلى الله عليه و سلم و من بعده من الخلفاء..(
[1]).
و بمراجعة صفحات التاريخ في هذا الشأن نجد منطقة شمال افريقيا من اعرق الأمم التي استعملت العلم أو الراية منذ عصور قديمة،حيث كان لكل حُـكم أو إمارة أو دولة راية تدل على السلطة أو الحاكم بها،بما فيها لو كانت تحت الوصاية أو الاحتلال.
وقد تنوع استعمال الألوية و الرايات في المواكب المختلفة،كالمواكب الحربية و العسكرية، و المواكب الدينية كالعيدين و الجنائزية، و المواكب السياسية و الاجتماعية كالسفر وعقد البيعة،بما يعبر عن عظمة الدولة و قوتها.
مسح تاريخـي لأسماء العلم:
و أسماء العلم أو الراية تختلف من عصر إلى عصر، حسب اختلاف الحضارة أو الثقافة أو الجنس أو العرف..من ذلك ما يلي:(
[2]).
1/ اللواء:
اللواء جمع ألوية هو الخال، و أم الرمح، وهو لواء الجيش، وهو ما دون الأعلام و البنود.و عرفت هذه التسمية في السيرة النبوية(
[3])، و في سيرة الخلفاء الراشدين، و في العصريين الأموي و العباسي.
2/ الراية:
الراية جمع رأي و هي العلم،و جمعها رايات ،و هي العلامة المنصوبة لكي يراها الناس، و هي ما يعقد على الرمح و يترك حتى تصفقه الرياح ،و هي الحقيقة أو الغاية،و يلاحظ أن المعاجم و القواميس تباينت ألفاظها،لكن مقصدها واحد. و عرفت هذه التسمية في السيرة النبوية، و في سيرة الخلفاء الراشدين،و في العصريين الأموي و العباسي(
[4]).
3/ البند:
البند و جمعه بنود هو لفظ فارسي معرب، وهو العلم الكبير، و من معانيه الفقرة الكاملة من القانون، أو الفصل من الكتاب و النقطة الهامة من البحث، و عرفت هذه التسمية في العصر الفاطمي (358-565 هـ /969-1169م).
4/ البيرق:
بيرق هو لفظ غير دقيق المصدر،و الظاهر انه فارسي لاستعماله إلى اليوم في اللغة التركية بمعنى العلم، و عرفت هذه التسمية في العصر الأيوبي(565-648هـ/ 1169-1250م)،و في العصر العثماني
5/السنجق:
السنجق (بالسين، أو بالصاد)و جمعها سناجق بمعنى اللواء أو المديرية في القسم الإداري، أطلقت على العلم مجازيا، لان حقيقتها الطعن، فالعلم يشد في أعلى الرمح و هو آلة الطعن فسمي السنجق،و عرفت هذه التسمية في العصر الأيوبي ،و في العصر العثماني.
6/ الشاليش:
الشاليش(بالشين،أو بالجيم ) هو مقدمة الجيش أو طليعته،و اشتهر إطلاقه على الراية العظيمة من الحرير الأصفر في رأسها خصلة من الشعر،يقول ابن خلدون أن دولة الترك بالمشرق كانت تتخذ راية عظيمة في رأسها خصلة كبيرة من الشعر يسمونها الشالش (
[5])،و عرفت هذه التسمية في العصر الأيوبي ،و في العصر العثماني.
7/ العلم:
العلم له عدة معاني منها:الجبل الطويل، رسم الثوب، ما يعقد على الرمح، سيد القوم، ما يبنى على الطرق من المنار لكي يستدل به عليها،و العَـلَـم هو العلامة و الراية،و أطلقت هذه التسمية على الراية في العصر الأيوبي ،و في العصر العثماني.(
[6])
و عرفت الموسوعة العربية العلم: بأنه رقعة من القماش الملون عليها بعض شارات ترمز لمعنى خاص يحملها الجند في طليعة الجيش، و ترفع على الدور في الأعياد و المناسبات، و هو بمثابة صحيفة خُـط عليها شرف الأمة و أمجاد تاريخها(
[7]).

ألوان العلم:
ألوان العلم اختلفت من عصر إلى عصر ،
· ففي العصر النبوي أجمعت المصادر التاريخية على أن ألوان الألوية و الرايات هي الأبيض و الأسود.(
[8])
· و في العصر الخلفاء الراشدين أضيف إليهما لونين آخرين هما: الأحمر و الأصفر ،
· و في العصر الأموي تميزت بالأبيض و الأسود و الأحمر و الأخضر،
· و في العصر العباسي انحصرت إلى الأبيض و الأسود و الأخضر.
· و عند الفاطميين تنوعت بالأبيض و المذهب و المفضض و الأخضر و الملون،
· وفي العصر العثماني كانت ألوان الرايات بيضاء و حمراء و صفراء و ملونة.
· و أعلام المغرب العربي و الأندلس فقد ذكر ابن خلدون أن ملوك البربر من صنهاجة و غيرها لم يختصوا في أعلامهم بلون واحد بل وشوها بالذهب و اتخذوها من الحرير الخالص الملون..(
[9]).
أما من يحمل الأعلام من جند و مجاهدين و قادة، فإنهم كانوا من أفضل الرجال و أخلصهم،فقد قدموا أنفسهم رخيصة لله تعالى،من اجل أن تبقى الأعلام و الرايات عالية مرفرفة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأُعطِيَنّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فأعطاها علياً).
وقد اهتم المؤرخين و رجال السير بترجمة هؤلاء العظماء،وعد مناقبهم،و للفائدة فان عددهم في العصر النبوي وصل إلى ثمانية و ستين مجاهدا-68-،و في عصر الخلفاء الراشدين إلى سبعة و ستين مجاهدا آخرين-67-.
و في بعض العصور و الأمم زادت أهمية العلم حتى صارت وظيفة حامله واحدة من اشرف و أنبل الوظائف.. التي يصبوا إليها كل جندي في الجيش..بل جعلوا لها لقبا خاصا و رتبة متميزة ترتقي إلى مصاف كبار الأمراء في الدولة،مثل: "أمير علم" أو "علمدار" المقصود بهذه التسمية حامل أو ممسك العلم، و جعلوا للرايات خزانة خاصة، تسمى خزانة البنود أو الأعلام..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) المقدمة، ج2/ ص696
[2] ) راجع بالتفصيل كتاب: رايات الإسلام، عاصم محمد رزق، ص49 و ما بعدها
[3] ) العصر النبوي في الفترة الممتدة بين:1-11هـ /622-632م.
[4] ) العصر الأموي في الفترة الممتدة بين:41-127هـ/ 661-744م ، و العباسي في الفترة الممتدة بين:132-640هــ /749-1242م.
[5] ) المقدمة 2/699
[6] ) توجد أسماء أخرى :العصابة، الرنك، و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم راية من صوف اسود تسمى "العقاب" و هو طائر.
[7] ) الموسوعة العربية الميسرة / ص1225
[8] ) ليس المقصود بهذه الألوان في الراية الواحدة، بل تعددت الرايات و الألوية في المعركة الواحدة،غير أنها تمايزت من حيث الحجم و الدور.
[9] ) المقدمةج2/ ص699

ليست هناك تعليقات: